فصل: فصل: النصارى تلقوا أصول دينهم عن أصحاب المجامع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.أخبار اليهود والنصارى عن عيسى ونسبه لا يوثق بها:

ثم إن اليهود عندهم من الاختلاف في أمره ما يدل على عدم تيقنهم بشيء من أخباره، فمنهم من يقول أنه كان رجلا منهم ويعرفون أباه وأمه وينسبونه لزانية! وحاشاه وحاشا أمه الصديقة الطاهرة البتول التي لم يقرعها فحل قط قاتلهم الله أنى يؤفكون، ويسمون أباه الزاني البنديرا الرومي، وأمه مريم الماشطة، ويزعمون أن زوجها يوسف بن يهودا وجد البنديرا عندها على فراشها وشعر بذلك فهجرها وأنكر ابنها. ومن اليهود من رغب عن هذا القول وقال إنما أبوه يوسف بن يهودا الذي كان زوجا لمريم، ويذكرون أن السبب في استفاضة اسم الزنا عليه أنه بينا هو يوما مع معلمه بهشوع بن برخيا وسائر التلاميذ في سفر فنزلوا موضعا فجاءت امرأة من أهله وجعلت تبالغ في كرامتهم، فقال بهشوع ما أحسن هذه المرأة؟ يريد أفعالها، فقال عيسى بزعمهم لولا عور في عينها، فصاح بهشوع وقال له يا ممزار- ترجمته يا زنيم- أتزني بالنظر، وغضب غضبا شديدا وعاد إلى بيت المقدس وحرم اسمه ولعنه في أربعمائة قرن، فحينئذ لحق ببعض قواد الروم وداخله بصناعة الطب فقوى بذلك على اليهود وهم يومئذ في ذمة قيصر بتاريوش، وجعل يخالف حكم التوراة ويستدرك عليها ويعرض عن بعضها إلى أن كان من أمره ما كان. وطوائف من اليهود يقولون غير هذا، ويقولون إنه كان يلاعب الصبيان بالكرة فوقعت منهم بين جماعة من مشايخ اليهود فضعف الصبيان عن استخراجها من بينهم حياء من المشايخ، فقوى عيسى وتخطى رقابهم وأخذها، فقالوا له ما نظنك إلا زنيما. ومن اختلاف اليهود في أمره أنهم يسمون أباه بزعمهم الذي كان خطب مريم يوسف بن يهودا النجار. وبعضهم يقول إنما هو يوسف الحداد. والنصارى تزعم أنها كانت ذات بعل وأن زوجها يوسف بن يعقوب. وبعضهم يقول يوسف بن آل. وهم يختلفون أيضا في آبائه وعددهم إلى إبراهيم فمن مقل ومن مكثر. فهذا ما عند اليهود وهم شيوخكم في نقل الصلب وأمره وغلا فمن المعلوم أنه لم يحضره أحد من النصارى وإنما حضره اليهود وقالوا قتلناه وصلبناه وهم الذين قالوا فيه ما حكيناه عنهم فإن صدقتموهم في الصلب فصدقوهم في سائر ما ذكروه، وإن كذبتموهم فيما نقلوه عنه فما الموجب لتصديقهم في الصلب وتكذيب أصدق الصادقين الذي قامت البراهين القطعية على صدقه أنهم ما قتلوه وما صلبوه؛ بل صانه الله وحماه وحفظه، وكان أكرم على الله وأوجه عنده من أن يبتليه بما تقولون أنتم واليهود.

.النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم ما اتفقت عليه فرقهم المشهورة:

وأما خبر ما عندكم أنتم فلا نعلم أمة أشد اختلافا في معبودها ونبيها ودينها منكم، فلو سألت الرجل وامرأته وابنته وأمه وأباه عن دينهم لأجابك كل منهم بغير جواب الآخر، ولو اجتمع عشرة منهم يتذاكرون الدين لتفرقوا عن أحد عشر مذهبا مع اتفاق فرقهم المشهورة اليوم على القول بالتثليث وعبادة الصليب، وأنه هو خالق السموات والأرض والملائكة والنبيين، وأنه هو الذي أرسل الرسل وأظهر على أيديهم المعجزات والآيات، وأن للعالم إلها هو أب والد لم يزل، وأن ابنه نزل من السماء وتجسم من روح القدس ومن مريم وصار هو وابنها الناسوتي إلها واحدا ومسيحا واحدا وخالقا واحدا ورازقا واحدا، وحبلت به مريم وولدته، وأخذ وصلب وألم ومات ودفن وقام بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه قالوا والذي ولدته مريم وعاينه الناس وكان بينهم هو الله وهو ابن إله وهو كلمة الله، فالقديم الأزلي خالق السموات والأرض هو الذي حبلت به مريم وأقام هناك تسعة أشهر، وهو الذي ولد ورضع وفطم وأكل وشرب وتغوط وأخذ وصلب وشد بالحبال وسمرت يداه.

.اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح:

ثم اختلفوا: فقالت اليعقوبية- أتباع يعقوب البرادعي ولقب بذلك لأن لباسه كان من خرق برادع الدواب يرقع بعضها ببعض ويلبسها- إن المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين: أحداهما طبيعة الناسوت، والأخرى طبيعة اللاهوت، وإن هاتين الطبيعتين تركبتا فصار إنسانا واحدا وجوهرا واحدا وشخصا واحدا، فهذه الطبيعة الواحدة، والشخص الواحد هو المسيح، وهو إله كله، وإنسان كله، وهو شخص واحد، وطبيعية واحدة من طبيعتين. وقالوا: إن مريم ولدت الله، وإن الله سبحانه قبض عليه وصلب وسمر ومات ودفن ثم عاش بعد ذلك.
فصل:
وقالت الملكية- وهم الروم نسبة إلى دين الملك لا إلى رجب يدعى ملكاينا هو صاحب مقالتهم كما يقوله بعض من لا علم له بذلك- إن الابن الأزلي الذي هو الكلمة تجسدت من مريم تجسدا كاملا كسائر أجساد الناس، وركبت في ذلك الجسد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة والعلم كسائر أنفس الناس، وأنه صار إنسانا بالجسد والنفس الذين هما من جوهر الناس، وإلها بجوهر اللاهوت كمثل أبيه لم يزل، وهو إنسان بجوهر الناس مثل إبراهيم وموسى وداود، وهو شخص واحد لم يزد عدده، وثبت له جوهر اللاهوت كما لم يزل، وصح له جوهر الناسوت الذي لبسه ابن مريم، وهو شخص واحد لم يزد عدده وطبيعتان، ولكل واحدة من الطبيعتين مشيئة كاملة، فله بلاهوته مشيئة مثل الأب، وله بناسوته مشيئة كمشيئة إبراهيم وداود، وقالوا: إن مريم ولدت المسيح وهو اسم يجمع اللاهوت والناسوت، وقالوا: إن الذي مات هو الذي ولدته مريم، وهو الذي وقع عليه ا لصلب والتسمير والصفع والربط بالحبال واللاهوت لم يمت ولم يألم ولم يدفن، قالوا وهو إله تام بجوهر لاهوته، وإنسان تام بجوهر ناسوته، وله المشيئتان: مشيئة اللاهوت، ومشيئة الناسوت. فأنوا بمثل ما أتى به اليعقوبية من أن مريم ولدت الإله إلا أنهم بزعمهم نزهوا الإله عن الموت. وإذا تدبرت قولهم وجدته في الحقيقة هو قول اليعقوبية مع تنازعهم وناقضهم فيه، فاليعقوبية أطرد لكفرهم لفظا ومعنى.
وأما النسطورية فذهبوا إلى القول بأن المسيح شخصيان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة، وإن طبيعة اللاهوت لما وجدت بالناسوت صار لهما إرادة واحدة، واللاهوت لا يقبل زيادة ولا نقصان ولا يمتزج بشيء، والناسوت يقبل الزيادة والنقصان، فكان المسيح بذلك إلها وإنسانا، فهو الإله بجوهر اللاهوت الذي لا يقبل الزيادة والنقصان، وهو إنسان بجوهر الناسوت الذي يقبل الزيادة والنقصان. وقالوا إن مريم ولدت المسيح بناسوته وأن اللاهوت لم يفارقه قط، وكل هذه الفرق استنكفت أن يكون المسيح عبد الله وهو لم يستنكف من ذلك، ورغبت به عن عبودية الله وهو لم يرغب عنها بل أعلى منازل العبودية عبودية الله، ومحمد وإبراهيم خير منه، وأعلى منازلهما تكميل مراتب العبودية، فالله رضيه أن يكون له عبدا فلم ترض المثلثة بذلك.
وقالت الآريوسية منهم وهم اتباع أريوس: إن المسيح عبد الله كسائر الأنبياء والرسل، وهو مربوب مخلوق مصنوع، وكان النجاشي على هذا المذهب. وإذا ظفرت المثلثة بواحد من هؤلاء قتلته شر قتلة، وفعلوا به ما يفعل بمن سب المسيح وشتمه أعظم سب. والكل من تلك الفرق الثلاث عوامهم لا تفهم مقالة خواصهم على حقيقتها؛ بل يقولون أن الله تخطى مريم كما يتخطى الرجل المرأة وأحبلها فولدت له ابنا، ولا يعرفون تلك الهذيانات التي وضعها خواصهم، فهم يقولون: الذي تدندنون حوله نحن نعتقده بغير حاجة منا إلى معرفة الأقاليم الثلاثة من الطبيعتين والمشيئتين، وذلك للتهويل والتطويل وهم يصرحون بأن مريم والدة الإله، والله أبوه، وهو الابن فهذا الزوج، والزوجة، والولد {وَقالوا اِتَخَذَ الرَحمنُ وَلَدا لَقَد جِئتُم شَيئاً إِدّا وَما يَنبَغي لِلرَحمَنِ أَن يَتَخِذ وَلَدا إِن كُلُ مَن في السَمَواتِ وَالأَرضِ إِلاّ آَتي الرَحمنِ عَبداً لَقَد أَحصاهُم وَعَدَهُم عَدا وكُلُهُم آَتيهِ يَومَ القِيامَة فَرداً}.

.محمد برأ المسيح وأمه من افتراء أعدائهما وأنزلهما المنزلة العالية ونزه الله عن افتراء المثلثة عليه:

فهذه أقوال أعداء المسيح من اليهود والغالين فيه من النصارى المثلثة عباد الصليب فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أزال الشبهة في أمره وكشف الغمة، وبرأ المسيح وأمه من افتراء اليهود وبهتهم وكذبهم عليهما ونزه رب العالمين وخالق المسيح وأمه مما افتراه عليه المثلثة عباد الصليب الذين سبوه أعظم السب، فانزل المسيح أخاه بالمنزلة التي أنزله الله بها وهي أشرف منازله، فآمن به وصدقه، وشهد له بأنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول الطاهرة الصديقة سيدة نساء العالمين في زمانها، وقرر معجزات المسيح وآياته، وأخبر عن ربه تعالى بتخليد من كفر بالمسيح في النار، وإن ربه تعالى أكرم عبده ورسوله ونزهه وصانه أن ينال إخوان القردة منه ما زعمته النصارى أنهم نالوه منه؛ بل رفعه إليه مؤيدا منصورا لم يشكه أعداؤه بشوكة، ولا نالته أيديهم بأذى، فرفعه إليه وأسكنه سماءه، وسيعيده إلى الأرض ينتقم به من مسيح الضلال وأتباعه، ثم يكسر به الصليب، ويقتل به الخنزير، ويعلى به الإسلام، وينصر به ملة أخيه وأولى الناس به محمد عليهما أفضل الصلاة والسلام. فإذا وضع هذا القول في المسيح في كفة وقول عباد الصليب المثلثة في كفة تبين لكل من له أدنى مسكة من عقل ما بينهما من التفاوت، وأن تفاوتهما كتفاوت ما بينه وبين قول المغضوب عليهم فيه، وبالله التوفيق.
فلولا محمد صلى الله عليه وسلم لما عرفنا أن المسيح ابن مريم الذي هو رسول الله وعبده وكلمته وروحه موجود أصلا؛ فإن هذا المسيح الذي أثبته اليهود من شرار خلق الله ليس بمسيح الهدى، والمسيح الذي أثبته النصارى من أبطل الباطل لا يمكن وجوده في عقل ولا فطرة، ويستحيل أن يدخل في الوجود أعظم استحالة، ولو صح وجوده لبطلت أدلة العقول ولم يبق لأحد ثقة بمعقول أصلا؛ فإن استحالة وجوده فوق استحالة جميع المحالات، ولو صح ما يقول لبطل العالم واضمحلت السموات والأرض وعدمت الملائكة والعرش والكرسي ولم يكن بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار. ولا يستعجب من أطباق أمة الضلال الذين شهد الله أنهم أضل من الأنعام على ذلك فكل باطل في الوجود ينسب إلى أمة من الأمم فإنها مطبقة عليه، وقد تقدم ذكر إطباق الأمم العظيمة التي لا يحصيها إلا الله على الكفر والضلال بعد معاينة الآيات البينات، فلعباد الصليب أسوة بإخوانهم من أهل الشرك والضلال!.

.فصل: النصارى تلقوا أصول دينهم عن أصحاب المجامع:

مجامع لعلماء النصارى يكفر فيها بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا:
قصة المسيح قبل بعثه وبعده إلى أن رفع وما لاقى اتباعه من اليهود والقياصرة:
في ذكر استنادهم في دينهم إلى أصحاب المجامع الذين كفر بعضهم بعضا وتلقيهم أصول دينهم عنهم، ونحن نذكر الآن الأمر كيف ابتدأ وتوسط، وانتهى، حتى كأنك تراه عيانا.
كان الله سبحانه قد بشر بالمسيح على ألسنة أنبيائه، من لدن موسى إلى زمن داود ومن بعده من الأنبياء، وأكثر الأنبياء تبشيرا به داود، وكانت اليهود تنتظره وتصدق به قبل مبعثه، فلما بعث كفروا به بغيا وحسدا وشردوه في البلاد وطردوه وحبسوه وهموا بقتله مرارا إلى أن أجمعوا على القبض عليه وعلى قتله فصانه الله وأنقذه من أيديهم، ولم يهنه بأيديهم، وشبه لهم بأنهم صلبوه ولم يصلبوه، كما قال تعالى: {وَبِكُفرِهِم وَقَولِهٍم عَلى مَريَم بُهتاناً عَظيما وَقَولِهِم إِنا قَتَلَنا المَسيحَ عيسى اِبنَ مَريَم رَسولُ اللَهَ وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلَكِن شُبِهَ لَهُم وإِنّ الَّذَينَ اِختَلَفوا فيهِ لَفي شَكٍ مِنهُ ما لَهُم بِهِ مِن عٍلم إِلاّ اِتباعُ الظَن وَما قَتَلوهُ يَقينا بَل رَفَعُهُ اللهُ إِليه وَكانَ اللَهُ عَزيزاً حَكيما} وقد اختلف في معنى قوله: {وَلَكِن شُبِهَ لَهُم} فقيل المعنى ولكن شبه للذين صلبوه بأن ألقى شبهه على غيره فصلبوا الشبه، وقيل المعنى ولكن شبه النصارى أي حصلت لهم الشبهة في أمره وليس لهم علم بأنه ما قتل وما صلب، ولكن لما قال أعداؤه إنهم قتلوه وصلبوه واتفق رفعه من الأرض وقعت الشبهة في أمره، وصدقهم النصارى في صلبه لتتم الشناعة عليهم، وكيف ما كان فالمسيح صلوات الله وسلامه عليه لم يقتل ولم يصلب يقينا لا شك فيه.
ثم تفرق الحواريون في البلاد بعد رفعه على دينه ومنهاجه يدعون الأمم إلى توحيد الله ودينه والإيمان بعبده ورسوله ومسيحه، فدخل كثير من الناس في دينه ما بين ظاهر مشهور ومختف مستور، وأعداء الله اليهود في غاية الشدة والأذى لأصحابه وأتباعه، ولقي تلاميذ المسيح وأتباعه من اليهود ومن الروم شدة شديدة من قتل وعذاب وتشريد وحبس وغير ذلك، وكان اليهود في زمن المسيح في ذمة الروم وكانوا ملوكا عليهم، وكتب نائب الملك ببيت المقدس إلى الملك يعلمه بأمر المسيح وتلاميذه وما يفعل من العجائب الكثيرة من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، فهم أن يؤمن به ويتبع دينه فلم يتابعه أصحاب، ثم هلك وولى بعده ملك آخر فكان شديدا على تلامذة المسيح.
ثم مات وولى بعده آخر، وفي زمنه كتب مرقس إنجيله بالعبرانية، وفي زمانه صار إلى الإسكندرية فدعا إلى الإيمان بالمسيح، وهو أول شخص جعل بتركا على الإسكندرية، وصير معه اثني عشر قسيسا على عدة نقباء بني إسرائيل في زمن موسى وأمرهم إذا مات البترك أن يختاروا من الاثني عشر واحدا يجعلونه مكانه، ويضع الاثني عشر أيديهم على رأسه ويبركونه، ثم يختارون رجلا فاضلا قسيسا يصيرونه تمام العدة، ولم يزل أمر القوم كذلك إلى زمن قسطنطين. ثم انقطع هذا الرسم واصطلحوا على أن ينصبوا البترك من أي بلد كان من أولئك القسيسين أو من غيرهم، ثم سموه بابا ومعناه أبو الآباء، وخرج مرقس إلى برقة يدعو الناس إلى دين المسيح. ثم ملك آخر فأهاج على اتباع المسيح الشر والبلاء وأخذهم بأنواع العذاب، وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عنه بالرومية، ونسبه إلى مرقس.
وفي عصره كتب لوقا إنجيله بالرومية لرجل شريف من عظماء الروم، وكتب له الإفركسيس الذي فيه أخبار التلاميذ. وفي زمنه صلب بطرس وزعموا أن بطرس قال له إن أردت أن تصلبني فاصلبني منكسا لئلا أكون مثل سيدي المسيح فإنه صلب قائما، وضرب عنق بولس بالسيف، وأقام بعد صعود اثنين وعشرين سنة، وأقام مرقس بالإسكندرية وبرقة سبع سنين يدعو الناس إلى الإيمان بالمسيح، ثم قتل بالإسكندرية وأحرق جسده بالنار، ثم استمرت القياصرة ملوك الروم على هذه السيرة إلى أن ملك مصر قيصر يسمى طيطس فخرب بيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها وأصاب أهلها جوع عظيم، وقتل من كان بها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى ويضربون بأطفالهن الصخور، وخرب المدينة وأضرم فيها النار، وأحصى القتلى على يده فبلغوا ثلاثة آلاف ألف. ثم ملك ملوك آخرون فكان منهم واحد شديد على اليهود جدا، فبلغوه أن النصارى يقولون إن المسيح كلهم وإن ملكه يدوم إلى آخر الدهر فاشتد غضبه وأمر بقتل النصارى وأن لا يبقى في ملكه نصراني وكان يوحنا صاحب الإنجيل هناك فهرب، ثم أمر الملك بإكرامهم وترك الاعتراض عليهم، ثم ملك بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما، وقتل بترك أنطاكية برومية، وقتل أسقف بيت المقدس وصلبه وله يومئذ مائة وعشرون سنة، وأمر باستعباد النصارى فاشتد عليهم البلاء إلى أن رحمتهم الروم وقال له وزراؤه إن لهم دينا وشريعة وأنه لا يحل استعبادهم فكف عنهم، وفي عصره كتب يوحنا إنجيله بالرومية، وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس، فلما كثروا وامتلأت منهم المدينة عزموا على أن يملكوا منهم ملكا فبلغ الخبر قيصر فوجه إليهم جيشا فقتل منهم من لا يحصى، ثم ملك بعده ابنه وفي زمانه قتل اليهود ببيت المقدس قتلا ذريعا وخرب بيت المقدس، وهرب اليهود إلى مصر وإلى الشام والجبال والأغوار وتقطعوا في الأرض، وأمر الملك أن لا يسكن بالمدينة يهودي، وأن يقتل اليهود ويستأصلوا، وأن يسكن المدينة اليونانيون، وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين، والنصارى ذمة تحت أيديهم، فرأوهم يأتون إلى مزبلة هناك فيصلون فيها فمنعوهم من ذلك، وبنوا على المزبلة هيكلا باسم الزهرة فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع، ثم هلك هذا الملك وقام بعده آخر فنصب يهودا أسقفا على بيت المقدس، قال ابن البطريق فمن يعقوب أسقف بيت المقدس الأول إلى يهودا أسقفه هذا كانت الأساقفة الذين على بيت المقدس كلهم مختونين، ثم ولى بعده آخر وأثار على النصارى بلاءا شديدا وحربا طويلا ووقع في أيامه قحط شديد كاد الناس أن يهلكوا فسألوا النصارى أن يبتهلوا إلى إلههم فدعوا وابتهلوا إلى الله فمطروا وارتفع عنهم القحط والوباء.
قال ابن البطريق: وفي زمانه كتب بترك الإسكندرية إلى أسقف بيت المقدس وبترك أنطاكية وبترك رومية في كتاب فصح النصارى وصومهم وكيف يستخرج من فصح اليهود، فوضعوا فيها كتبا على ما هي اليوم، قال وذلك أن النصارى كانوا بعد صعود المسيح إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما ويفطرون كما فعل المسيح، لأنه لما اعتمد بالأردن خرج إلى البرية فأقام بها أربعين يوما، وكان النصارى إذا أفصح اليهود عيدوا هم الفصح، فوضع هؤلاء البتاركة حسابا للفصح ليكون فطرهم يوم الفصح، وكان المسيح يعيد مع اليهود في عيدهم واستمر على ذلك أصحابه إلى أن ابتدعوا تغيير الصوم فلم يصوموا عقيب الغطاس بل نقلوا الصوم إلى وقت لا يكون عيدهم مع اليهود. ثم مات ذلك الملك وقام بعده آخر، وفي زمنه كان جالينوس وفي زمنه ظهرت الفرس وغلبت على بابل وآمد وفارس. وتملك أزدشير ابن بابك في إصطخر وهو أول ملك ملك على فارس في المدة الثانية، ثم مات قيصر وقام بعده آخر، ثم آخر وكان شديدا على النصارى عذبهم عذابا عظيما وقتل خلقا كثيرا منهم، وقتل كل عالم فيهم، ثم قتل من كان بمصر والإسكندرية من النصارى، وهدم الكنائس، وبنى بالإسكندرية هيكلا وسماه هيكل الآلهة ثم قام بعده قيصر آخر، ثم آخر وكانت النصارى في زمنه في هدوء وسلامة، وكانت أمه تحب النصارى. ثم قام بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما وقتل منهم خلقا كثيرا، وأخذ الناس بعبادة الأصنام، وقتل من الأساقفة خلقا كثيرا، وقتل بترك أنطاكية فلما سمع بترك بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي ثم هلك، وقام بعده آخر، ثم آخر. وفي أيام هذا ظهر ماني الكذاب وزعم أنه نبي، وكان كثير الحيل والمخاريق، فأخذه بهرام ملك الفرس فشقه نصفين، وأخذ من أتباعه مائتي رجل فغرس رءوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا ثم قام من بعده فيلبس فآمن بالمسيح فوثب عليه بعض قواده فقتله، ثم قام بعده دانقيوس ويسمى دقيانوس فلقي النصارى منه بلاء عظيما وقتل منهم ما لا يحصى، وقتل بترك رومية، وبنى هيكلا عظيما وجعل فيه الأصنام، وأمر أن يسجد لها ويذبح لها ومن لم يفعل قتل، فقتل خلقا كثيرا من النصارى وصلبوا على الهيكل، واتخذ من أولاد عظماء المدينة سبعة غلمان فجعلهم خاصته وقدمهم على جميع من عنده، وكانوا لا يسجدون للأصنام فأعلم الملك بخبرهم فحبسهم ثم أطلقهم، وخرج إلى مخرج له فأخذ الفتية كل ما لهم فتصدقوا به، ثم خرجوا إلى جبل فيه كهف كبير فاختفوا فيه وصب الله عليهم النعاس فناموا كالأموات، وأمر الملك أن يبني عليهم باب الكهف ليموتوا، فأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس فكتب فيها أسماءهم وقصتهم مع دقيانوس وصيرها في صندوق من نحاس ودفنه داخل الكهف وسده. ثم مات الملك.